9‏/5‏/2013

مناسك الحج والعمرة 1

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


مناسك الحج والعمرة
في الكتاب والسنة وآثار السلف
تاليف
محمد ناصر الدين الألباني

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد ، فقد دعت الرغبة في تيسير العلم لعامة الناس إلى تبسيط مناسك الحج ، وذلك باستخلاصها من كتابي ” حجة النبي صلى الله عليه وسلم  كما رواها عنه جابر رضي الله عنه ” ، على النحو الذي جريت عليه في رسالتي ” تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ” ، غير أنني زدت فيه زيادات هامة ، استدركت بها ما لم يرد ذكره من المناسك في ” حجة النبي صلى الله عليه وسلم ” ، ولا في التعليق عليها ، وقد عنيت خاصة بتخريج هذه الزيادات ، وكذلك الفوائد الأخرى التي أوردتها فيه على النحو الذي جرينا عليه في سائر كتبنا ، من ذكر مرتبة الحديث ومصدره ، لكن على طريقة الاختصار ، مع الإحالة في غالب الأحيان إلى كتبي الأخرى ما طبع منها وما لم يطبع ، وأما ما كان في كتاب ” الحجة ” فلم أعن بتخريجه اكتفاء بأن الكتاب متوفر بين أيدي القراء الكرام ، فمن شاء منهم التثبت من شيء منه فمن الميسور أن يراجعه ، وإليه الإشارة عند الإحالة عليه بكلمة ( الأصل ) ، وإتماماً للفائدة نقلنا عنه بشيء من الاختصار الملحق الخاص ببدع الحج والزيارة .
وسميته ” مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف ” .
والله تبارك وتعالى أسأل أن يجعل عملي كله صالحاً ، وأن يجعله لوجهه خالصاً ، ولا يجعل لأحد فيه شيئاً .
نصائح بين يدي الحج
وهذه نصائح وفوائد أقدمها إلى إخواننا الحجاج بين يدي الحج :
أولاً ـ على الحاج أن يتقي ربه ، ويحرص طاقته أن لا يقع فيما حرم الله عليه ، لقوله تعالى : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم :
” من حج فلم يرفث ، ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ” ، فإنه إن فعل ذلك كان حجه مبروراً ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : ” الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة” [1] فلا بد من التحذير مما ابتلي به بعضهم لجهلهم أو ضلالهم :
أ ـ الإشراك بالله تعالى ، فقد رأينا كثيراً منهم يقعون في الشرك كالاستغاثة بغير الله ، والاستعانة بالأموات من الأنبياء أو الصالحين ، ودعائهم من دون الله ، والحلف بهم تعظيماً لهم ، فيبطلون بذلك حجهم ، قال تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك ) .
ب ـ تَزَيُّن بعضهم بحلق اللحية فإنه فسق ، فيه مخالفات أربع مذكورة في ( الأصل ) .
جـ ـ تختم الرجال بالذهب فإنه حرام ، لا سيما ما كان منه من النوع الذي يسمى اليوم بـ ” خاتم الخطبة ” ، فإن فيه أيضاً تشبهاً بالنصارى .
ثانياً ـ على كل من أراد الحج ممن لم يسق الهدي [2]،  أن ينوي حج التمتع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم  أصحابه به آخر الأمر ، ولغضبه على أصحابه الذين لم يبادروا إلى امتثال أمره بفسخ الحج إلى العمرة ، ولقوله :
” دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ” ، ولما قال له بعض الصحابة : أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟
شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في أخرى وقال : ” دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ، لا بل لأبد أبد ، لا بل لأبد أبد ” [3] . من أجل ذلك أمر صلى الله عليه وسلم السيدة فاطمة وأزواجه رضي الله عنهن جميعاً بالتحلل بعد عمرة الحج ، ولذلك كان ابن عباس يقول : ( من طاف بالبيت فقد حل ، سنة نبيكم وإن رَغِمتم ) [4] فعلى كل من لم يسق الهدي أن يلبي بالعمرة في أشهر الحج الثلاثة ، فمن لبى بالحج مفرداً أو قارناً ، ثم بلغه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفسخ فينبغي أن يبادر إليه ولو بعد قدوم مكة وطوافه بين الصفا والمروة ، فيتحلل ، ثم يلبي بالحج يوم التروية يوم الثامن . ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) [5].
ثالثاً : إياك أن تدع البيات في منى ليلة عرفة ، فإنه واجب ، فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به في قوله : ” خذوا عني مناسككم . . ” .
وعليك البيات أيضاً في المزدلفة حتى تصلي الصبح فإن فاتك البيات ، فلا يفوتك أداء الصلاة فيها ، فإنه واجب منه ، بل هو ركن من أركان الحج على القول الأرجح عند المحققين من العلماء ، إلا للنساء والضعفة . فإنه يجوز لهم الانصراف بعد نصف الليل كما سيأتي .
رابعاً : واحذر ما استطعت أن تمر بين يدي أحد من المصلين في المسجد الحرام ، فضلاً عن غيره من المساجد وغيرها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه ” .
فهذا نص عام يشمل كل مارٍ ومصلٍ ، ولم يصح حديث استثناء المار في المسجد الحرام ، وعليك أن تصلي فيه كغيره إلى سترة ، لعموم الأحاديث الوارده في ذلك ، وفيه آثار خاصة عن بعض الصحابة مذكورة في ( الأصل ) .
خامساً : على أهل العلم والفضل أن يعلموا الحجاج حيثما التقوا بهم مناسك الحج وأحكامه وفق الكتاب والسنة ، وأن لا يشغلهم ذلك عن الدعوة إلى التوحيد الذي هو أصل الإسلام ومن أجله بعث الرسل ، وأنزلت الكتب ، فإن أكثر من لقيناهم حتى بعض من ينتمي إلى العلم وجدناهم في جهل بالغ بحقيقة توحيد الله وصفاته ، كما أنهم في غفلة تامة عن ضرورة رجوع المسلمين على اختلاف مذاهبهم ، وكثرة أحزابهم إلى توحيد كلمتهم وجمع صفوفهم على أساس الكتاب والسنة ، في العقائد والأحكام ، والمعاملات والأخلاق ، والسياسة والاقتصاد ، وغير ذلك من شؤون الحياة ، وأن يتذكروا أن أي صوت يرتفع ، وأي إصلاح يقوم على غير هذا الأصل القويم ، والصراط المستقيم ، فسوف لا يجني المسلمون منه إلا تفرقة وضعفاً ، وخزياً وذلاً ، والواقع أكبر شاهد على ذلك . والله المستعان .
ولا بأس من المجادلة بالتي هي أحسن ، حين الحاجة ، فإن الجدال المحظور في الحج ، إنما هو الجدال بالباطل المنهي عنه في غير الحج أيضاً كالفسق المنهي عنه في الحج أيضاً ، فهو غير الجدال المأمور به في مثل قوله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ) . ومع ذلك فإنه ينبغي على الداعية أن يلاحظ أنه إذا تبين له أنه لا جدوى من المجادلة مع المخالف ـ لتعصبه لمذهبه أو رأيه ، وأنه إذا صابره في الجدال فلربما ترتب عليه ما لا يجوز ـ أنه من الخير له حينئذ أن يدع الجدال معه لقوله صلى الله عليه وسلم : ” أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً . . ” الحديث [6].

لا حرج لا حرج


ومما ينبغي على الداعية أن يلتزمه التيسير على الناس عامة ، وعلى الحجاج خاصة ، لأن التيسير أصل من أصول الشريعة السمحة ، كما هو معلوم ن ما دام أنه لا نص على خلافه ، فإذا جاء النص لم يجز التيسير بالرأي . وهذا هو الموقف الوسط العدل الذي يجب على كل داعية أن يلتزمه ، ولا عبرة بعد ذلك بأقوال الناس واعتراضاتهم وقولهم : شدد ، أو سهل ؟
وثمة أمور جائزة اعتاد بعض الحجاج أن يتحرجوا منها لفتاوى صدرت من بعضهم منافية للأصل المشار إليه آنفاً ، رأيت التنبيه عليها :
1 ـ الاغتسال لغير احتلام ولو بدلك الرأس ، لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في ” الصحيحين ” وغيرهما من حديث أبي أيوب رضي الله عنه [7].
2 ـ حك الرأس ولو سقط منه بعض الشعر ، لحديث أبي أيوب الذي أشرت إليه آنفاً . وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
3 ـ الاحتجام ولو بحلق الشعر مكان الحجم ، لاحتجامه صلى الله عليه وسلم وسط رأسه وهو محرم ، ولا يمكن ذلك إلا مع حلق الشعر ، وهو قول ابن تيمية أيضاً ، وبه قالت الحنابلة ، لكنهم أوجبوا عليه الفدية ، ولا دليل لهم ، بل هو مردود باحتجامه صلى الله عليه وسلم ، فإنه لو فدى لنقله عنه الراوي ، فاقتصاره على ذكر احتجامه دون الفدية دليل على أنه لم تقع منه فدية ، فالصواب قول ابن تيمية رحمه الله تعالى .
4 ـ شم الريحان ، وطرح الظفر إذا انكسر ، وفي ذلك آثار مذكورة في ( الأصل ) .
5 ـ الاستظلال بالخيمة أو بثوب مرفوع ، لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم .
ونحوه الاستظلال بالمحمل قديماً ، وبالمظلة ( الشمسية ) ، والسيارة ولو من داخلها حديثاً ، وإيجاب الفدية على ذلك تشدد لا دليل عليه ، بل النظر السليم لا يفرق بين الاستظلال بالخيمة الثابت في السنة ، والاستظلال بالمحمل وما في معناه ، وهو رواية عن الإمام أحمد كما في ” منار السبيل ” ( 1 / 246 ) . فما تفعله بعض الطوائف من إزالة سقف السيارة ، تنطع في الدين لم يأذن به رب العالمين .
6 ـ شد المنطقة والحزام على الإزار ، وعقده عند الحاجة ، والتختم كما جاء في بعض الآثار . ومثله ، وضع ساعة اليد والنظارة ، ومحفظة النقود على العنق .
كل هذه الأمور ، داخلة تحت الأصل المذكور ، مع تأيد بعضها بأحاديث مرفوعة ، وآثار موقوفة ، والله عز وجل يقول : ( يريد الله بكم اليسر ، ولا يريد بكم العسر ) . والحمد لله رب العالمين .

بين يدي الإحرام

1 ـ يستحب لمن عزم على الحج أو العمرة المفردة ، أن يغتسل للإحرام ، ولو كانت حائضاً أو نفساء .
2 ـ ثم يلبس الرجل ما شاء من الألبسة التي لم تفصل على قدر الأعضاء ، وهي المسماة عند الفقهاء بـ ( غير المخيط ) ، فيلبس الإزار والرداء ونحوهما ، والنعلين ، وهما كل ما يلبس على الرجلين لوقايتهما مما لا يستر الكعبين .
3 ـ ولا يلبس القلنسوة والعمامة ونحوهما مما يستر الرأس مباشرة . هذا للرجل .
وأما المرأة فلا تنزع شيئاً من لباسها المشروع إلا أنها لا تشد على وجهها النقاب [8] والبرقع أو اللثام أو المنديل ولا تلبس القفازين [9] وقد قال صلى الله عليه وسلم :
” لا يلبس المحرم القميص ، ولا العمامة ، ولا البرنس ، ولا السراويل ، ولا ثوباً مَسَّه وَرْسٌ ولا زعفران ، ولا الخفين ، إلا أن لا يجد نعلين ( فيلبس الخفين ) [10] ، وقال :
” لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين “[11] .
ويجوز للمرأة أن تستر وجهها بشيء كالخمار أو الجلباب تلقيه على رأسها وتسدله على وجهها ، وإن كان يمس الوجه على الصحيح ، ولكنها لا تشده عليها ، كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى .
4 ـ وله أن يلبس الإحرام قبل الميقات ولو في بيته كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وفي هذا تيسير على الذين يحجون بالطائرة ، ولا يمكنهم لبس الإحرام عند الميقات ، فيجوز لهم أن يصعدوا الطائرة في لباس الإحرام ، ولكنهم لا يحرمون إلا قبل الميقات بيسير حتى لا يفوتهم الميقات وهم غير محرمين .
5 ـ وأن يدّهن ويتطيب في بدنه بأي طيب شاء له رائحة ولا لون له ، إلا النساء . فطيبهن ما له لون ولا رائحة له ، وهذا كله قبل أن ينوي الإحرام عند الميقات ، وأما بعده فحرام .
الإحرام ونيته
6 ـ فإذا جاء ميقاته وجب عليه أن يحرم ، ولا يكون ذلك بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته ، فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده ، بل لا بد من قول أو عمل يصير به محرماً ، فإذا لبى قاصداً للإحرام انعقد إحرامه اتفاقاً .
7 ـ ولا يقول بلسانه شيئاً بين يدي التلبية مثل قولهم :
اللهم إني أريد الحج أو العمرة فيسره لي وتقبله مني . . . لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا مثل التلفظ بالنية في الطهارة والصلاة والصيام ، فكل ذلك من محدثات الأمور ، ومن المعلوم قوله صلى الله عليه وسلم : ” . . . فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ” .
المواقيت
8 ـ والمواقيت خمسة : ذو الـحُلَيفة ، والـجُحْفة وقَرْن المنازل ، ويَلَمْلَمُ وذاتِ عرْق ، هن لأهلن ، ولمن مَرّ عليهن من أهلهن ، ممن يريد الحج أو العمرة ، ومن كان منزله دونهن فَمَهِلَّه من منزله ، حتى أهل مكة يُهِلون من مكة .
و ( ذو الحليفة ) مهِل أهل المدينة ، وهي قرية تبعد عنها ستة أميال أو سبعة ، وهي أبعد المواقيت عن مكة ، بينهما عشر مراحل أو أقل أو أكثر بحسب اختلاف الطرق ، فإن منها إلى مكة عدة طرق كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، وتسمى وادي العقيق ، ومسجدها يسمى مسجد الشجرة ، وفيها بئر تسميها جهال العامة : بئر علي ، لظنهم أن علياً قاتل الجن بها ، وهو كذب .
و ( الجحفة ) قرية بينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل ، وهي ميقات أهل الشام ومصر وأهل المدينة أيضاً إذا اجتازوا من الطريق الآخر ، قال ابن تيمية :
” هي ميقات من حج من ناحية المغرب كأهل الشام ومصر وسائر المغرب ، وهي اليوم خراب ، ولهذا صار الناس يحرمون قبلها من المكان الذي يسمى ( رابغاً ) ” .
و ( قرن المنازل ) ويسمى قرن الثعالب تلقاء مكة على يوم وليلة ، وهو ميقات أهل نجد .
و ( يلملم ) موضع على ليلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلاً وهو ميقات أهل اليمن .
و ( ذات عرق ) مكان بالبادية ، وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة ، بينه وبين مكة اثنان وأربعون ميلاً ، وهو ميقات أهل العراق .
أمره صلى الله عليه وسلم بالتمتع
9 ـ فإذا أراد الإحرام ، فإن كان قارناً قد ساق الهدي قال : لبيك اللهم بحجة وعمرة ، وإن لم يسق الهدي ـ وهو الأفضل ـ لبى بالعمرة وحدها ، ولا بد ، فقال : ” لبيك اللهم بعمرة ” فإن كان لبى بالحج وحده فسخه وجعله عمرة ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، وقوله : ” دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ” وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه . وقوله : ” يا آل محمد من حج منكم فليهل بعمرة في حجة ” [12]  وهذا هو التمتع بالعمرة إلى الحج .
الاشتراط
10 ـ وإن أحب قرن مع تلبيته الاشتراط على ربه تعالى خوفاً من العارض ، من مرض أو خوف ، فيقول كما جاء في تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم : ” اللهم مِحِلّي حيث حبستني “[13] فإنه إن فعل ذلك فحبس أو مرض جاز له التحلل من حجة أو عمرته ، وليس عليه دم وحج من قابل ، إلا إذا كانت حجة الإسلام ، فلا بد من قضائها .
11 ـ وليس للإحرام صلاة تخصه ، لكن إن أدركته الصلاة قبل إحرامه ، فصلى ثم أحرم عقب صلاته كان له أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث أحرم بعد صلاة الظهر .
الصلاة بوادي العقيق
12 ـ لكن من كان ميقاته ذا الحليفة استحب له أن يصلي فيها ، لا لخصوص الإحرام ، وإنما لخصوص المكان وبركته ، فقد روى البخاري عن عمر رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول : ” أتاني الليلة آتِ من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل : عمرة في ( وفي رواية : عمرة و ) حجة ” .
وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ” أنه رؤي ( وفي رواية : أُرِيَ ) وهو مُعَرس [14] بذي الحليفة ببطن الوادي ، قيل له : إنك ببطحاء مباركة “[15].
التلبية ورفع الصوت بها
13 ـ ثم يستقبل القبلة قائماً [16] ثم يلبي بالعمرة أو الحج والعمرة كما تقدم ، ويقول : اللهم هذه حجة لا رياء ولا سمعة [17].
14 ـ ويلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم :
أ ـ ” لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ” وكان لا يزيد عليها .
ب ـ وكان من تلبيته صلى الله عليه وسلم  : ” لبيك إله الحق ” .
15 ـ والتزام تلبيته صلى الله عليه وسلم أفضل ، وإن كانت الزيادة عليها جائزة لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم الناس الذين كانوا يزيدون على تلبيته قولهم : ” لبيك ذا المعارج ، لبيك ذا الفواضل ” .
وكان ابن عمر يزيد فيها : ” لبيك وسعديك ، والخير بيديك ، والرغباءُ إليك والعمل ” [18].
16 ـ ويؤمر الملبي بأن يرفع صوته بالتلبية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ” أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية “[19] وقوله :
” أفضل الحج العَجُّ والثَج[20]  ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  إذا أحرموا لم يبلغوا ( الرَوْحاء ) حتى تبح أصواتهم [21] وقوله صلى الله عليه وسلم : ” كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثَّنيِة ، له جُوار إلى الله تعالى بالتلبية ” [22] .
17 ـ والنساء في التلبية كالرجال لعموم الحديثين السابقين فيرفعن أصواتهن ما لم يُخْش الفتنة ، ولأن عائشة كانت ترفع صوتها حتى يسمعها الرجال ، فقال أبو عطية : سمعت عائشة تقول : إني لأعلم كيف كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سمعتها تلبي بعد ذلك : ” لبيك اللهم لبيك . . . ” إلخ .[23]
وقال القاسم بن محمد : خرج معاوية ليلة النفر فسمع صوت تلبية فقال : من هذا ؟ قيل : عائشة أم المؤمنين اعتمرت من التنعيم . فذكر ذلك لعائشة فقالت : لو سألني لأخبرته [24].
18 ـ ويلتزم التلبية ، لأنها ” من شعائر الحج “[25] ولقوله صلى الله عليه وسلم : ” ما من مُلبّ يلبي إلا لبّى ما عن يمينه وعن شماله من شجر وحجر ، حتى تنقطع الأرض من هنا وهنا ـ يعني ـ عن يمينه وشماله “[26] . وبخاصة كلما علا شرفاً ، أو هبط وادياً ، للحديث المتقدم قريباً : ” كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثنية ، له جوار إلى الله تعالى بالتلبية ” . وفي حديث آخر :
” كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي “[27] .
19 ـ وله أن يخلطها بالتلبية والتهليل لقول ابن مسعود رضي الله عنه :
خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة ، إلا أن يخلطها بتلبية أو تهليل [28] .
20 ـ فإذا بلغ الحرم المكي ، ورأى بيوت مكة أمسك عن التلبية [29] ليتفرغ للاشتغال بغيرها مما يأتي .

الاغتسال لدخول مكة


21 ـ ومن تيسر له الاغتسال قبل الدخول فليغتسل ، وليدخل نهاراً أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم [30] .
22 ـ وليدخل من الناحية العليا التي فيها اليوم باب المعلاة ، فإنه صلى الله عليه وسلم دخلها من الثنية العليا ( كَداء )[31] المشرفة على المقبرة ، ودخل المسجد من باب بني شيبة ، فإن هذا أقرب الطرق إلى الحجر الأسود .
23 ـ وله أن يدخلها من أي طريق شاء لقوله صلى الله عليه وسلم  : ” كل فجاج مكة طريق ومنحر ” . وفي حديث آخر : ” مكة كلها طريق : يدخل من ههنا ويخرج من ههنا[32].
24 ـ فإذا دخلت المسجد ، فلا تنس أن تقدم رجلك اليمنى [33] وتقول :
” اللهم صلّ على محمد وسلم ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك “[34] أو :
” أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم “[35].
25 ـ فإذا رأى الكعبة رفع يديه إن شاء ، لثبوته عن ابن عباس [36].
26 ـ ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم هنا دعاء خاص ، فيدعو بما تيسر له ، وإن دعا بدعاء عمر : ( اللهم أنت السلام ، ومنك السلام فحينا ربّنا بالسلام ) فحسنٌ ، لثبوته عنه رضي الله عنه [37] .
طواف القدوم

27 ـ ثم يبادر إلى الحجر الأسود فيستقبله استقبالاً فيكبر ، والتسمية قبله صحت عن ابن عمر موقوفاً ، ووهم من ذكره مرفوعاً .
28 ـ ثم يستلمه بيده ، ويقبله بفمه ، ويسجد عليه أيضاً ، فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمر ، وابن عباس [38].
29- فإن لم يمكنه تقبيله استلمه بيده، ثم قبل يده.
30- فإن لم يمكنه الاستلام أشار إليه بيده.
31- و يفعل ذلك في كل طَو‍‌ْفة.
32- و لا يزاحم عليه لقوله صلى الله عليه وسلم:
“يا عمر‍‍! إنك رجل قوي، فلا تؤذ الضعيف، و إذا أردت استلام الحجر، فإن خَلا لك فاستلمه، و إلا فاستقبله و كبر” [39].
33- و في استلام الحجر فضل كبير لقوله صلى الله عليه و سلم:
“لَيبعثن الله الحجر يوم القيامة، و له عينان يبصر بهما، و لسان ينطق به، و يشهد على من استلمه بحق” [40]. و قال:
“مسح الحجر الأسود و الركن اليماني يحطّان الخطايا حطاً ” [41]. و قال:
“الحجر الأسود من الجنة، و كان أشد بياضاً من الثلج، حتى سودته خطايا أهل الشرك”[42] .
34- ثم يبدأ بالطواف حول الكعبة يجعلها عن يساره، فيطوف من وراء الحِجر سبعة أشواط، من الحَجَر إلى الحَجَر شوط، يضطبع [43] فيها كلها، و يرمل في الثلاثة الأول منها، من الحجر إلى الحجر، و يمشي في سائرها.
35- و يستلم الركن اليماني بيده في كل طرفة، و لا يقبله، فإن لم يتمكن من استلامه لم تشرع الإشارة إليه بيده.
36- و يقول بينهما: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، و في الآخرة حسنة، و قنا عذاب النار) [44].
37- و لا يستلم الركنين الشاميين اتباعاً للنبي صلى الله عليه و سلم [45].

التزام ما بين الركن و الباب


38- وله أن يلتزم ما بين الركن و الباب، فيضع صدره ووجهه و ذراعيه عليه [46].
39- و ليس للطواف ذكر خاص، فله أن يقرأ من القرآن أو الذكر ما شاء، لقوله صلى الله عليه و سلم:
“الطواف بالبيت صلاة، و لكن الله أحل فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير” و في رواية: “فأقلّوا فيه الكلام” [47].
40- و لا يجوز أن يطوف بالبيت عريان و لا حائض، لقوله صلى الله عليه و سلم:
“لا يطوف بالبيت عريان” [48].
و قوله لعائشة حين قدمت معتمرة في حجة الوداع:
“افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت [ولا تصلي] حتى تطهري” [49].
41- فإذا انتهى من الشوط السابع غطى كتفه الأيمن، و انطلق إلى مقام إبراهيم، و قرأ: (و اتخذوا من مقام ابراهيم مصلى).
42- و جعل المقام بينه و بين الكعبة، و صلى عنده ركعتين.
43- و قرأ فيهما (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد).
44- و ينبغي أن لا يمر بين يدي المصلي هناك، و لا يدع أحداً يمر بين يديه، و هو يصلي، لعموم الأحاديث الناهية عن ذلك،  و عدم ثبوت استثناء المسجد الحرام منها، بله مكة كلها! [50].
45- ثم إذا فرغ من الصلاة ذهب إلى زمزم فشرب منها، و صب على رأسه، فقد قال صلى الله عليه و سلم:
“ماء زمزم لما شُرب له” [51] ، و قال:
” إنها مباركة و هي طعامُ طُعم، [وشفاء سقم]” [52] ، و قال:
“خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، و شفاء السقم” [53].
46- ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيكبر و يستلم على التفصيل المتقدم.
السعي بين الصفا و المروة

47- ثم يعود أدراجه ليسعى بين الصفا و المروة، فإذا دنا من الصفا قرأ قوله تعالى: ( إن الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطّوف بهما، و من تطوع خيراً فإن الله شاكرٌ عليم). و يقول:
“نبدأ بما بدأ الله به”.
48- ثم يبدأ بالصفا فيرتقي عليه حتى يرى الكعبة [54].
49- فيستقبل الكعبة، فيوحد الله و يكبره فيقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر (ثلاثاً).
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيي و يميت، و هو على كل شيء قدير،
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، و نصر عبده، و هزم الأحزاب و حده [55]. يقول ذلك ثلاث مرات.
و يدعو بين ذلك [56].
50- ثم ينزل ليسعى بين الصفا و المروة، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: “اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي” [57].
51- فيمشي إلى العَلَم (الموضوع) عن اليمين و اليسار، و هو المعروف بالميل الأخضر، ثم يسعى منه سعياً شديداً إلى العلم الآخر الذي بعده. و كان في عهده صلى الله عليه و سلم وادياً أبطح فيه دقاق الحصا، و قال صلى الله عليه و سلم:
” لا يُقطَع الأبطحُ إلا شداً” [58].
ثم يمشي صلُعُداً حتى يأتي المروة فيرتقي عليها، و يصنع فيها ما صنع على الصفا من استقبال القبلة، و التكبير و التوحيد، و الدعاء [59] و هذا شوط.
52- ثم يعود حتى يرقى على الصفا، يمشي موضع مشيه، و يسعى موضع سعيه، و هذا شوط ثانٍ.
53- ثم يعود إلى المروة، و هكذا حتى يتم له سبعة أشواط نهاية آخرها على المروة.
54- و يجوز أن يطوف بينهما راكباً، و المشي اعجب إلى النبي صلى الله عليه و سلم [60].
55- و إن دعا في السعي بقوله:” رب اغفر و ارحم، إنك أنت الأعز الأكرم” فلا بأس لثبوته عن جمع من السلف [61].
56- فإذا انتهى من الشوط السابع على المروة قص شعر رأسه [62] و بذلك تنتهي العمرة، و حل له ما حرم عليه الإحرام، و يمكث هكذا حلالاً إلى يوم التروية.
57- و من كان أحرم بغير عمرة الحج. و لم يكن ساق الهدي من الحل فعليه أن يتحلل اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه و سلم و اتقاء لغضبه، و أما من ساق الهدي فيظل في إحرامه و لا يتحلل إلا بعد الرمي يوم النحر.

الإهلال بالحج يوم التروية


58- فإذا كان يوم التروية، و هو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم و أهلّ بالحج، فيفعل  كما فعل عند الإحرام بالعمرة من الميقات. من الاغتسال و التطيب، و لبس الإزار و الرداء و التلبية. و لا يقطعها إلا عقب رمي جمرة العقبة
59- و يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه، حتى أهل مكة يحرمون من مكة.
60- ثم ينطلق إلى منى فيصلى فيها الظهر، و يبيت فيها حتى يصلي سائر الصلوات الخمس قصراً دون جمع.

الانطلاق إلى عرفة


61- فإذا طلعت شمس يوم عرفة انطلق إلى عرفة، و هو يلبي او يكبر، كل ذلك فعل أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و هم معه في حجته، يلبي الملبي فلا ينكر عليه، و يكبر المكبر فلا ينكر عليه [63].
62- ثم ينزل في نَمرة [64]، و هو مكان قريب من عرفات، و ليس منها، و يظل بها إلى ما قبل الزوال.
63- فإذا زالت الشمس رحل إلى عُرَنة و نزل فيها [65]. و هي قبيل عرفة، و فيها يخطب الإمام الناس خطبة تناسب المقام.
64- ثم يصلي بالناس الظهر و العصر قصراً و جمعاً في وقت الظهر.
65- و يؤذن لهما أذاناً و احداً و إقامتين.
66- و لا يصلي بينهما شيئاً [66].
67- و من لم يتيسر له صلاتهما مع الإمام، فليصلهما كذلك و حده، أو مع من حوله من أمثاله [67].
الوقوف في عرفة

68- ثم ينطلق إلى عرفة فيقف عند الصخرات أسفل جبل الرحمة، إن تيسر له ذلك، و إلا فعرفة كلها موقف.
69- و يقف مستقبلاً القبلة، رافعاً يديه يدعو و يلبي.
70- و يكثر من التهليل فإنه خير الدعاء يوم عرفة، لقوله صلى الله عليه و سلم:
“أفضل ما قلت أنا و النبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله و حده لا شريك له، له الملك، و له الحمد، و هو على كل شيء قدير” [68].
71- و إن زاد في التلبية أحياناً “إنما الخير خير الآخرة” جاز [69].
72- و السنة للواقف في عرفة ألا يصوم هذا اليوم.
73- و لا يزال هكذا ذاكراً ملبياً داعياً بما شاء، راجياً من الله تعالى أن يجعله من عتقائه الذين يباهي بهم الملائكة كما في الحديث:
“ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، و إنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟” [70]
و في حديث آخر:
“إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً” [71]. و لا يزال هكذا حتى تغرب الشمس.

الإفاضة من عرفة


74- فإذا غربت الشمس أفاض من عرفات إلى مزدلفة و عليه السكينة و الهدوء، لا يزاحم الناس بنفسه أو دابته أو سيارته، فإذا و جد خلوة أسرع.
75- فإذا و صلها أذن و أقام و صلى المغرب ثلاثاً، ثم أقام و صلى العشاء قصراً، و جمع بينهما.
76- و إن فصل بينهما لحاجة لم يضره ذلك [72].
77- و لا يصلي بينهما و لا بعد العشاء شيئاً [73].
78- ثم ينام حتى الفجر.
79- فإذا تبين له الفجر صلى في أول وقته بأذان و إقامة.

صلاة الفجر في المزدلفة


80- و لا بد من صلاة الفجر في المزدلفة لجميع الحجاج إلا الضعفَةَ و النساء، فإنه يجوز لهم أن ينطلقوا منها بعد نصف الليل خشية حطَمَة الناس.
81- ثم يأتي المشعر الحرام (وهو جبل المزدلفة) فيرقى عليه، و يستقبل القبلة، فيحمد الله و يكبره و يهلله و يوحده و يدعو، و لا يزال كذلك حتى يُسفر جداً.
82- و مزدلفة كلها موقف، فحيثما وقف فيها جاز.
83- ثم ينطلق قبل طلوع الشمس إلى منى و عليه السكينة و هو يلبي.
84- فإذا أتى بطن مُحَسِّر أسرع السير إذا أمكنه، و هو من منى.
85- ثم يأخذ الطريق الوسطى التي تخرجه على الجمرة الكبرى.
الرمي
86- و يلتقط الحصيات التي يريد أن يرمي بها جمرة العقبة في منى، و هي آخر الجمرات و أقربهن إلى مكة.
87- و يستقبل الجمرة، و يجعل مكة عن يسارة، و منى عن يمينه.
88- و يرميها بسبع حصيات مثل حصى الخذف، و هو أكبر من الحمصة قليلاً.
89- و يكبر مع كل حصاة [74].
90- و يقطع التلبية مع آخر حصاة [75].
91- و لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس، و لو كان من النساء أو الضعَفَة الذين أبيح لهم الانطلاق من المزدلفة بعد نصف الليل، فهذا شيء، و الرمي شيء آخر [76].
92- وله  أن يرميها بعد الزوال و لو إلى الليل إذا وجد حرجاً في رميها قبل الزوال كما ثبت في الحديث.
93- فإذا انتهى من رمي الجمرة حل له كل شيء إلا النساء ولو لم ينحر أو يحلق، فيلبس ثيابه و يتطيب.
94- لكن عليه أن يطُوف طواف الإفاضة في اليوم نفسه، إذا أراد أن يستمر في تمتعه المذكور، و إلا فإنه إذا أمسى و لم يطف عاد محرماً كما كان قبل الرمي، فعليه أن ينزع ثيابه و يلبس ثوبي الإحرام، لقوله صلى الله عليه و سلم:
“إن هذا يوم رُخص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة أن تُحلّوا من كل ما حُرمتم منه إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا هذا البيت صرتم حُرُماً لهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة، قبل أن تطوفوا به” [77].

الذبح والنحر


95 ـ ثم يأتي المنحر في منى فينحر هديه ، وهذا هو السنة .
96 ـ لكن يجوز له أن ينحر في أي مكان آخر من منى ، وكذلك في مكة ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
( قد نحرت هاهنا ، ومنى كلها منحر ، وكل فجاج مكة طريق ومنحر ، فانحروا في رحالكم ) [78] .
97 ـ والسنة أن يذبح أو ينحر بيده إن تيسر له ، وإلا أناب عنه غيره .
98 ـ ويذبحها مستقبلاً بها القبلة [79] ، فيضعها على جانبها الأيسر ، ويضع قدمه اليمنى على جانبها الأيمن [80] .
99 ـ وأما الإبل فالسنة أن ينحرها ، وهي قائمة معقولة اليسرى ، قائمة على
ما بقي من قوائمها [81] ، ووجهها قِبَلَ القبلة [82] .
100 ـ ويقول عند الذبح أو النحر : بسم الله ، و الله أكبر ، اللّهم إن هذا منك ولك [83] اللهم تقبل مني [84] .
101 ـ ووقت الذبح أربعة أيام العيد ، يوم النحر ـ وهو يوم الحج الأكبر [85] ـ وثلاثة أيام التشريق ، لقوله  صلى الله عليه وسلم :
( كل أيام التشريق ذبح ) [86] .
102 ـ وله أن يأكل من هديه ، وأن يتزود منه إلى بلده كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم  .
103 ـ وعليه أن يطعم منها الفقراء وذوي الحاجة ، لقوله تعالى : { و البُدنَ  جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير ، فاذكروا الله عليها صوافّ  ، فإذا وجبت جنوبُها فكلوا منها ، و أطعمو القانع والمُعْتَرَّ } [87]
104 ـ ويجوز أن يشترك سبعة في البعير والبقرة .
105 ـ فمن لم يجد هدياً فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله .
106 ـ ويجوز له أن يصوم في أيام في أيام التشريق الثلاثة لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهما قالا :
لم يُرَخّصْ في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهدي [88] .
107 -  ثم يحلق رأسه كله أو يُقصّره ، والأول أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ارحم المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ! قال : اللهم ارحم المحلقين . قالوا : والمقصرين يا رسول الله ! [ فلما كانت الرابعة قال : والمقصرين ) [89] .
108 – و السنة أن يبدأ الحالق بيمين المحلوق كما في حديث أنس رضي الله عنه [90] .
109 ـ والحلق خاص بالرجال دون النساء ، وإنما عليهن التقصير لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ليس على النساء حلق ، إنما على النساء التقصير ) [91] ، فتجمع شعرها فتقص منه قدر الأنملة [92] .
110 ـ ويسن للإمام أن يخطب يوم النحر بمنى [93] بين الجمرات [94] حين ارتفاع الضحى [95] ، يعلم الناس مناسكهم [96] .

طواف الإفاضة


111ـ ثم يفيض من يومه إلى البيت ، فيطوف به سبعاً كما تقدم في طواف القدوم إلا أنه لا يضطبع ولا يَرْمُل .
112ـ ومن السنة أن يصلي ركعتين عند المقام ، كما قال الزهري [97] ، وفعله ابن عمر [98] ،  وقال : على كل سُبعُ ركعتان [99] .
113ـ ثم يَطَّوَّف ويسعى بين الصفا والمروة كما تقدم أيضاً ، خلافاً للقارن و المفرد ، فيكفيهما السعي الأول .
114ـ وبهذا الطواف يحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام حتى نساؤه .
115ـ ويصلي الظهر بمكة ، وقال ابن عمر : بمنى [100] .
116ـ و يأتي زمزم ، فيشرب منها .

البيات في منى


117ـ ثم يرجع إلى منى فيمكث بها أيام التشريق بلياليها .
118ـ ويرمي فيها الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال ، بسبع حصيات لكل جمرة ، كما تقدم في الرمي يوم النحر ( 86 ـ 90 ) .
119ـ ويبدأ بالجمرة الأولى ، وهي الأقرب إلى مسجد الخَيف ، فإذا فرغ من رميها ، تقدم قليلاً عن يمينه ، فيقوم مستقبلاً القبلة قياماً طويلاً ويدعو ، ويرفع يديه [101] .
120ـ ثم يأتي الجمرة الثانية ، فيرميها كذلك ، ثم يأخذ ذات الشمال ، فيقوم مستقبل القبلة قياماً طويلاً ، ويدعو ، ويرفع يديه [102] .
121ـ ثم يأتي الجمرة الثالثة ، وهي جمرة العقبة ، فيرميها كذلك ، ويجعل البيت عن يساره ، ومنى عن يمينه ، ولا يقف عندها [103] .
122ـ ثم يرمي اليوم الثاني ، واليوم الثالث كذلك .
123ـ وإن انصرف بعد رميه في اليوم الثاني ، ولم يبت للرمي في اليوم الثالث جاز ، لقوله تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه  ، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى } ، لكن التأخر للرمي أفضل ، لأنه السنة [104] .
124ـ والسنة الترتيب بين المناسك المتقدمة : الرمي ، فالذبح أو النحر ، فالحلق ، فطواف الإفاضة ، فالسعي للمتمتع لكن إن قدم شيئاً منها أو أخر جاز ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لا حرج ، لا حرج )) .
125ـ ويجوز للمعذور في الرمي ما يأتي :
أ ـ أن لا يبيت في منى لحديث ابن عمر :
(( استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له )) [105]
ب ـ وأن يجمع رمي يومين في واحد ، لحديث عاصم بن عدي قال :
(( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لرعاء الإبل في البيتوتة أن يرموا يوم النحر ، ثم يجمعوا رمي يومين بعد النحر ، فيرمونه في أحدهما )) [106] .
ج ـ وأن يرمى في الليل ، بقوله صلى الله عليه وسلم :
(( الراعي يرمي بالليل ، ويرعى بالنهار )) [107]
126ـ ويشرع له أن يزور الكعبة ، ويطوف بها كل ليلة من ليالي منى ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك [108] .
127ـ ويجب على الحاج في أيام منى أن يحافظ على الصلوات الخمس مع الجماعة ، والأفضل أن يصلي في مسجد الخَيف إن تيسر له ، لقوله صلى الله عليه وسلم :  (( صلى في مسجد الخَيف سبعون نبياً )) [109] . 
128ـ فإذا فرغ من الرمي في اليوم الثاني أو الثالث من أيام التشريق ، فقد انتهى من مناسك الحج ، فينفر إلى مكة ، ويقيم فيها ما كتب الله له ، وليحرص على أداء الصلاة جماعة ، ولا سيما في المسجد الحرام ، لقوله عليه الصلاة والسلام :  (( صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، و صلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه )) [110] .
129ـ ويكثر من الطواف والصلاة في أي وقت شاء من ليل أو نهار ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في الركنين الأسود و اليماني :  (( مسحهما يحط الخطايا ، ومن طاف بالبيت لم يرفع قدماً ، ولم يضع قدما إلا كتب الله له حسنة ، وحط عنه خطيئة ، وكتب له درجة ، ومن أحصى أسبوعاً كان كعتق رقبة )) [111] . وقوله :  (( يا بني عبد مناف ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت ، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار )) [112]
طواف الوداع

130ـ فإذا انتهى من قضاء حوائجه ، وعزم على الرحيل ، فعليه أن يودع البيت بالطواف ، لحديث ابن عباس قال : كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :  (( لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت )) [113] .
131ـ وقد كانت المرأة الحائض أُمِرَتْ أن تنتظر حتى تطهر لتطوف الوداع [114] ثم رخص لها أن تنفر ، ولا تنتظر ، لحديث ابن عباس أيضاً  :  (( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف ، إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة )) [115] .
132ـ وله أن يحمل معه ماء زمزم ما تيسر له تبركاً به ، فقد :  (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمله معه في الأداوي والقرب ، وكان يصب على المرضى ويسقيهم )) [116] بل إنه :  (( كان يرسل وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو : أن أهدِ لنا من ماء زمزم ولا تترك ، فيبعث إليه بمزادتين )) [117] .
133ـ فإذا انتهى من الطواف خرج مقدماً رجله اليسرى [118] قائلاً : اللهم صل على محمد وسلم ، اللهم إني أسألك من فضلك .

اللهم إن هذا العمل خالصاً لوجهك الكريم * اللهم أرزق من قام بالعمل هذا ووالديه أجره وثوابه * آمين

* السلوكيات الخاطئة للذين يزعمون انهم مسلمين, هي ليست من تعاليم الدين الإسلامي السمحة .
Wrong behaviors of those who claim Islam, Is Not From The Tolerant Teachings Of Islam *

Translate

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

نموذج الاتصال - Contact Form

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

يتم التشغيل بواسطة Blogger.